الاثنين، مارس 14، 2011

مقاومة التغيير السياسي

بقلم: مولاي إسماعيل الفلالي
elfilali_prof73@hotmail.com

باندلاع سلسة الثورات في البلدان العربية، كثر الحديث عن التغيير السياسي كمفهوم أصبح متداولا في الحقل الإعلامي والسياسي.
فما المقصود به؟ وما هي بعض ملامحه ومؤشراته؟ وكيف السبيل إلى تحقيقه؟ومن يقاومه؟

بداية نشير إلى أن مفهوم التغيير السياسي يتسم بنوع من الشمولية والاتساع، وقد خضع لمحاولات كثيرة للتأصيل المفاهيمي من خلال مجموعة من الدراسات والأبحاث التي اهتمت بالموضوع .
وتشير لفظة التغير السياسي لغة إلى التحول، أو النقل من مكان إلى آخر ومن حالة إلى أخرى. ويقصد به أيضا :"مجمل التحولات التي تتعرض لها البنى السياسية في مجتمع ما بحيث يعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة نفسها أو دول عدة ". كما يقصد به الانتقال من وضع لا ديموقراطي استبدادي إلى وضع ديموقراطي.

وعند الاطلاع على بعض النظريات التي تناولت المسألة، لا شك سنقف عند نظرية دانكورت روستو Dankwart Rustow، والذي تناول بالدراسة مراحل التغيير السياسي. فروستو يتحدث عن عدة مراحل للتغيير: منها مرحلة تشكل هوية موحدة لغالبية المواطنين ومرحلة الصراع أو المواجهة التي قد تشمل استخدام العنف، "لأن منهج التدرج واستخدام الوسائل الديمقراطية في التغيير قد لا يحول دون الوصول إلى مرحلة من المواجهة والعنف"، ومرحلة اتخاذ القرار التي تمثل نقطة التحول وصياغة مرحلة جديدة ضمن جملة من التسويات بين القوى السياسية.
وبالرجوع إلى الواقع المغربي الذي بات أكثر إلحاحا في المطالبة بحصول تغييرات كبيرة في المشهد السياسي، نجد أن هوية المطالب السياسية شبه موحدة، و تكاد تتفق على ضرورة إحداث إصلاحات دستورية حقيقية، وإطلاق مزيد من الحريات واحترام كرامة وحقوق المواطنين، من خلال تكريس فعلي للتعددية السياسية وحرية الاختيار و إعادة توزيع الثروات بطريقة عادلة و ضرورة المساءلة والمحاسبة للمسؤولين أيا كان موقعهم . وتبقى وسائل تحقيق التغيير تختلف باختلاف مرجعيات الداعين له. .فمن اليساريين إلى العلمانيين مرورا بالإسلاميين الأمازيغيين، .نجد أن خيار المواجهة السلمية هو المعتمد بالرغم من اتخاذ هذا الخيار لأشكال عنيفة أحيانا. لكن تبقى السلمية هي السمة البارزة لدعاة التغيير. أما مرحلة اتخاذ القرار فلا زالت عندنا بيد النظام التي يقرر في الوقت المناسب لضخ جرعات "إصلاحية" علها تهدئ من غضب الشارع، أو ترضي أطرافا معينة. وتبقى محاولات التسوية هي الطاغية على حصول حوار ونقاش حقيقي حول آليات ومداخل التغيير. فلا ننسى أننا في العالم الثالث حيث مستوى وعي الشعوب بأهمية المرحلة لم يرق بعد إلى تطلعات السياسيين الجادين. وتبقى المحاولات الشبابية هي سيدة الموقف. فهي المعول عليها لتشكيل رأي عام ووعي عميق بقيمة اللحظة التاريخية وبعدالة المطالب المرفوعة في أفق حشد دعم جماهيري كبير ينسجم مع حجم التغيير المطلوب.
وعموما فالمثال المغربي يبقي ذو خصوصية في مسالة التغيير. ولعل من أهم خصوصياته، هو شبه الإجماع الحاصل لدى المكونات السياسية والاجتماعية على ضرورة حصول التغيير، على أن يبقي النظام الملكي مستمرا، مع المطالبة بجعله يتجه نحو ملكية برلمانية، و أن يتجه المغرب نحو بناء دولة المؤسسات لا دولة الأشخاص، وأن يتم الاعتراف بجميع مكونات الهوية المغربية، على أن يبقى الإسلام الدين الموحد والجامع والذي تضمن مؤسسة أمير المؤمنين حمايته والدفاع عنه للاعتبارات التاريخية المرتبطة بوجود الإسلام بالمغرب كعامل وحدة ولحمة.
لكن في المقابل نجد فئة كثيرة من المجتمع المغربي تتمثل أساسا في أصحاب النفوذ والمصالح الخاصة من بعض البورجوازيين والمنتفعين والمحسوبين على الغرب يقاومون وبشدة هذا التغيير. ولعل ما يفسر ذلك هو:
كون رياح التغيير التي بدأت تهب مزلزلة عروش هؤلاء الفاسدين، لم تجر بما تشتهيه أنفسهم التواقة للحفاظ على وضع statu quo. فالتغيير المنشود معناه ببساطة زوال استغلالهم البشع لمقدرات الشعب ووسائل الدولة، معناه أيضا خضوعهم للمراقبة والمحاسبة.
كون التغيير يخيف البعض ممن استمرأو السكون وفضلوه على الحركة والسعي. وهو حال طبقة من الإتكاليين ممن اعتادوا أن يقتاتوا على موائد الغير. فهؤلاء لا يهمهم أن يحدث تغيير في المجتمع الذي سيكونون فيه مكشوفين وسيكون عليهم الكدح لكسب عيشهم ، بدل التسكع والاعتماد على فضلات الغير.
وجود بعض حاشية الملك ممن أفزعهم التحام الملك مع الشعب وتجاوبه مع تطلعات الشباب. وهو ما يودن بنهاية مأساوية لهم عندما يتكشف فسادهم للملك وما أخفوه عنه لسنوات، من فساد واستغلال بشع للمواطنين.
بعض القوى الخارجية التي ترى في حصول ديمقراطية حقيقة واستقلال للقرار تهديدا مباشرا لها ولمصالحها الاستعمارية الامبريالية.
وجود بعض المطبعين مع الكيان الصهيوني ممن يسعون لتنفيذ أجندته في المنطقة، والساعية إلى تحويل مجتمعاتنا إلى مجتمعات مائعة مستهلكة لا منتجة فاعلة.

كل هؤلاء الأصناف وغيرهم ممن يختبأ في الغرف المظلمة، لا يزالون يسيرون عكس إرادة الإصلاح، ويضعون الحواجز تلو الأخرى في مسيرة التغيير. لكن التاريخ يثبت لنا دوما أن أمثال هؤلاء الكلاب الانتهازيين رغم عواءهم، فالقافلة تمشي حتى ترسو بساحل النجاة، ساحل الكرامة والحرية والاستقلال لهذا الشعب الأبي الذي يستحق حياة كريمة وغدا أفضل.